[center]بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد .. فقد حام طائر فكري وخاطري حول أحد أقطاب الدعوة السلفية المباركة وقلت في نفسى ماذا لو فقدنا ذلك الرجل ، أتحدث اليوم عن رجل في هذا الزمان الذى ضعفت فيه الهمم نحسبه من العلماء العاملين والدعاة الصادقين ولا نزكيه على الله ، تذكرت همته في أمر الدعوة الى الله ، تذكرت حاله وأن كثرة العقبات وزيادة العثرات وطعن الأعداء والمخالفين لا تزيده إلا همة وقوة وثباتًا على الحق .
تذكرت أحواله في العبادة ومحافظته الشديدة على أداء العبادات ما بين الفرائض والنوافل حتى إنه أحيانا يصلى النوافل وهو جالس بجواري في السيارة وذلك لحرصه عليها ، تذكرت كيفية محافظته على تكبيرة الإحرام ومدى حرصه الشديد عليها وقد رأيته يومًا وقد فاتته تكبيرة الاحرام بسبب سوء ترتيب من أحد الاخوة وما أن انتهى الشيخ من صلاته حتى انتفض وقام ونهر الأخ بشدة وغضب غضبًا شديدًا ، وقال له (ماذا أفعل يوم القيامة ).
تذكرت ورعه وزهده في الحياة وذلك يظهر جليًّا لمن يرى سيارته أو بيته أو حتى ملابسه مع انه لو أراد غير ذلك لكان .
تذكرت تواضعه وقد سألته يوما ماذا تريد ان تفطر اليوم وكان صائما فقال(ما شئتم حتى ولو فول لو أردتم ).
تذكرت همته في الدعوة إلى الله وهو ينتقل في يوم واحد بين ثلاث محافظات لإلقاء الندوات والمحاضرات بل وفى الإسكندرية كان أحيانا يحضر في اليوم الواحد سبعة أفراح ليشارك الإخوة في أفراحهم ويدخل عليهم السرور ، وأراه متعبًا وينام بجواري في السيارة لمدة دقائق معدودة ثم يستيقظ ، بل ربما نام وهو يتحدث أو يقرأ من شدة التعب وقلة النوم ، وهو غالبا ينام في اليوم والليلة من 4-6 ساعات تقريبا .
تذكرته وهو يساهم في حل معظم مشاكل الإخوة ما بين مشاكل عائلية وشخصية ومالية وغير ذلك ، فمن مزايا الشيخ قربه الشديد من شباب الدعوة ، وقد أقر الله عينه بأن أراه الثمرة التي بذرها منذ عشرات السنين فأصبح بعض تلاميذه اليوم من كوادر الدعوة المباركة .
تذكرته في معركة التأسيسية لوضع الدستور وهو يحمل هم أن يكون الدستور موافقًا لشرع الله تعالى ، لاسيما المعركة حول المادة الثانية من الدستور ، وبعد أن ينصرف أعضاء الجمعية التأسيسية بعد يوم شاق يمكث هو ليحاور ويجادل بعض أعضاء اللجنة ، ولا يفكر في أهله وأولاده ، بل أمر الدعوة عنده مقدم على كل شيء سواها .
تذكرته وهو لا يعتزل القضايا الكبرى الشائكة فما من قضية على الساحة إلا وله فيها نصيب من الرأي و الاجتهاد ، في حين أن غيره من العلماء والدعاة يعتزلها خوفًا من الرمي بالسهام ، فتراه عند الشدائد بطلا لا يقبل بأنصاف المواقف ، ولا يعرف تمييع القضايا .
تذكرت خوفه على البلاد والعباد وحرصه على عدم سفك الدماء يوم أن كان هو الوحيد من العلماء من قدم المبادرة التي عرفت بمقابلة الفريق شفيق قبيل إعلان نتيجة الانتخابات ، وكذلك ذهابه إلى سيناء بعد حادث رفح ، في محاولة منه لمنع سفك الدماء هناك .
تذكرته يوم أن كتبت عنه مجلة روزا ليوسف إنه أخطر رجل على مصر وذلك قبيل الثورة ، وقد كان هناك نية لدى مباحث أمن الدولة لاعتقاله ولكن الله سلم .
تذكرته يوم قضية الأخ السيد بلال رحمه الله وهو يدافع عنه ويدخل في صراع مع بعض ضباط أمن الدولة ويصر على مقابلة وزير الداخلية ، والإخوة تضغط عليه - وأنا منهم - نطالبه برد فعل سريع (وذلك من باب حماس الشباب ) ، حتى إنني أرسلت له رسالة آلمته كثيرًا ، وقد علق عليها في إحدى الدروس كل ذلك وهو يدعو (اللهم إنا مغلوبون فانتصر ويبكي حفظه الله ) .
تذكرته وهو يعتقل عدة مرات آخرها لمدة عام تقريبًا ثم يرميه الجهال بأنه يعمل لحساب النظام وأمن الدولة ، وهناك من قال عنه بأنه من الخوارج ، وهناك من قال هو مرجئ ، فهو يذكرني بعلى بن أبى طالب رضى الله عنه فهناك من غالى فيه وهناك من طعن ، وأنا أقول إذا رأيت الرجل وقد اختلف في أمره ، من حوله فريق يضعه في أقصى اليمين ، وفريق في أقصى اليسار فاعلم أنه على الوسطية والحق .
أعلم انه سيغضب وربما نهرني عند قراءة هذه الكلمات لأنه لا يحب الثناء ، ولكن هذا من باب إعطاء كل ذي حق حقه ، والإنسان لا يعرف قدر النعمة إلا إذا فقدها ، وهذا ما أخشاه .
ماذا لو فقدناه ، فلن يعرف الناس قيمته إلا إذا فقدناه لاسيما معارضيه ومخالفيه ، يا ترى من يقوم بدوره لو فقدناه ، أنا لا أخشى على أمر الدين أو أمر الدعوة ، فالله تعالى هو الذى يتولى حفظ دينه ، ولقد مات أعظم البشرية محمد رسول الله وحفظ الله الدين ، وفى الحديث "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها": وقد قال صلى الله عليه وسلم «لا يزال في أمتي أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك ». وَقد قيض الله للْأمة على فترات من الزَّمن من أبنائها المخلصين من يذود عَن حمى الإِسلام وحرماته جهادًا بِالسَّيفِ والقلم وَاللِّسَان منْذ فجر الْإِسْلَام إِلَى اليوْم وإِلَى أن تقوم السَّاعة بِمشِيئة الله .
ولكن هذا الرجل في الآونة الأخيرة نال النصيب الأوفر من حملات التشويه والاتهامات الباطلة سواء من العلمانيين أو من بعض الدعاة الذين لا يعلمون قيمته ومكانته ، فهو قيمة كبيرة ، وقامة عالية ،ويا ليت الذين يرمونه بالباطل يقدمون للدعوة معشار ما يقدمه هو للدعوة .
ومع ذلك أقول الشيخ ليس بمعصوم ، ولا ندعي لأحد العصمة ؛ لأن العصمة دفنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم-. فمن المحتمل أن يكون الشيخ أخطأ في بعض وجهات النظر في بعض القضايا ، ولا إشكالية في ذلك فلقد أخطأ من هو أفضل منه في بعض المواقف.
مَنْ ذا الَّذي ماساءَ قَطْ. . . ومَنْ لَهُ الحُسْنَى فَقَطْ
وقد قال الشافعي - رحمه الله - : "رأيي صواب يحتمل الخطأ ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب".
هذا الرجل هو فضيلة الوالد والمربى والشيخ المجاهد الدكتور ياسر برهامي حفظه الله ، كانت هذه كلمات حام بها طائر خاطري في بيت الله الحرام في موسم الحج هذا العام 1433 هجريَّا فأردت كتابتها .
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.